كرة القدم تُفصَّل على المقاس.. هل الإسماعيلي فوق الهبوط؟

“دوري يُدار بالعاطفة: لا منطق، لا هبوط، لا عدالة!”
في موسمٍ جديد يُفترض أن يكون عنوانه “العدالة التنافسية”، يبدو أن رابطة الأندية قررت أن تكتب سطورها بالحبر الأصفر، لا الأصفر الذهبي الذي عُرف به الإسماعيلي تاريخيًا، بل الأصفر الباهت الذي يرمز للرضوخ والتنازلات الفجّة.
إلغاء الهبوط؟ نعم، لأن الإسماعيلي في خطر!
منذ متى أصبحت لوائح الدوري المصري مرنة بهذا الشكل؟ منذ متى تُفصَّل المسابقات المحلية على مقاس نادٍ واحد لمجرد أن تاريخه كبير أو جماهيريته واسعة؟ الإسماعيلي هذا الموسم يعاني فنيًا، إداريًا، وماليًا، وهذا واقع لا يمكن إنكاره. لكن ما لا يُقبل أبدًا هو أن يُلغى الهبوط — أحد أهم مبادئ المنافسة — فقط لأن هذا الفريق الكبير قد يودع الممتاز.
غزل المحلة هبط، بلدية المحلة هبط، طنطا هبط، والمنصورة، الاتحاد نفسه عانى في مواسم كثيرة، ولم يقف أحد ليقول: “نلغي الهبوط لأجلهم”.
سعوديًا؟ الأهلي هبط!
نادي أهلي جدة، أحد أعرق الأندية في المملكة، وأحد أكثرها جماهيرية وتاريخًا، هبط في موسم 2022 ولم يصدر صوت واحد من اتحاد الكرة السعودي يطالب بإلغاء الهبوط عاد الأهلي في الموسم التالي بعد تصحيح المسار، لأن كرة القدم تُكافئ من يعمل، لا من يشتكي.
إيطاليًا؟ يوفنتوس هبط بعقوبة تأديبية!
عملاق تورينو يوفنتوس، الفريق الأكثر تتويجًا بالدوري الإيطالي، هبط إلى الدرجة الثانية في 2006 بعد فضيحة “الكالتشيوبولي”. لم يتوسط له أحد، ولم تُغَير القوانين لأجله، بل عوقب بخصم 30 نقطة أيضًا في الدرجة الثانية، وعاد بعدها أقوى وأصلب.
مارسيليا؟ مر بتجربة مماثلة.
النادي الفرنسي العريق، أولمبيك مارسيليا، عاش سنوات بين الهبوط والصعود، دون أن تُلغى القوانين أو تُعدل المسابقات لأجله بل إن هذه الأندية استخدمت فترات السقوط كمنصات للانطلاق مجددًا.
الإسماعيلي فوق القانون؟
ما يحدث حاليًا يدفعنا للتساؤل: لماذا كل هذه المحاولات فقط لأجل الإسماعيلي؟ ولماذا عندما يستفيد الأهلي من تطبيق لائحة، يتهمونه بأنه “نادي الدولة”، بينما حينما يُلغى نظام الهبوط بأكمله — وهو ركيزة أساسية من عدالة المنافسة — لا يخرج أحد ويقول: “الإسماعيلي نادي الدولة”؟
هل تحولت مشاعر الحب والحنين لهذا النادي الكبير إلى شماعة يعلّق عليها المسؤولون قراراتهم العشوائية؟ وهل الجماهير الغفيرة التي تنتمي لأندية مثل المحلة وطنطا وبلدية المحلة لا تستحق المعاملة نفسها؟ أم أن هناك أندية من الدرجة الثانية لا تملك “الواسطة الكروية” للصعود، بينما الإسماعيلي يمتلك حماية من نوعٍ آخر؟
الموسم القادم… كُوميديا سوداء
21 فريقًا في الدوري الممتاز. 7 فرق تلعب على اللقب، و14 على الهبوط. أربعة فقط سيهبطون، والبقية “كأنك يا أبو زيد ما غزيت”. السؤال الأهم: لو هبط الإسماعيلي الموسم المقبل، هل سنرى نفس السيناريو؟ هل سيتم تأجيل الهبوط مرة أخرى؟ هل ستتم إضافة أندية جديدة لنصل إلى 24 فريقًا؟ ثم ماذا؟ هل نكتفي بإلغاء الدوري نهائيًا ونسميه “دوري الإنقاذ الوطني”؟
العدالة ليست انتقائية
كرة القدم تُبنى على التنافس، والصعود والهبوط جزء لا يتجزأ من نُبل هذه اللعبة عندما يُكافأ الفشل، ويُحمى الضعف، وتُعدل القوانين لترضي جماهير على حساب أخرى، فإننا لا نصنع دوريًا محترمًا، بل نصنع مهزلة مؤسسية.
الإسماعيلي نادٍ عظيم بتاريخه وجمهوره، لكن العظمة لا تعني الحصانة. العدل أن يهبط من يستحق، ويصعد من يستحق، لا أن نُطيل عمر مريض برئة اصطناعية على حساب صحة المنظومة بأكملها.
في النهاية…
إن لم يكن الإسماعيلي “نادي الدولة”، فما الذي يمكننا تسميته حين تُلغى له المبادئ لأجل بقائه؟ وإن كنا ننتقد الأهلي عندما يستفيد من لائحة، فهل نملك الشجاعة لننتقد الإسماعيلي عندما يُلغى الهبوط من أجله؟
الحقيقة مرة، لكن يجب أن تُقال: العدالة الرياضية لا تعرف “أندية كبرى” و”أندية صغيرة”، بل تعرف من يستحق ومن لا يستحق.