لاماسيا ما زالت تنزف سحرًا.. فليك يدخل نادي جوارديولا من الباب الكبير

عندما تولى بيب جوارديولا قيادة برشلونة في 2008، لم يكن الأمر مجرد ثورة تكتيكية، بل كان ميلادًا لفلسفة كروية خالدة تُعرف اليوم بـ”التيكي تاكا”. تلك الطريقة التي أبهرت العالم وجعلت الخصوم يركضون خلف الكرة بلا حول ولا قوة، اعتمدت على الاستحواذ الخانق، التمريرات السريعة، والمهارات الفردية التي تُنفذ بأداء جماعي متناغم كالسيمفونية. كان ليونيل ميسي وقتها هو مايسترو هذه الألحان، بينما كان البقية يعزفون بتناغم لا يُصدق.
واليوم، وبينما تستعد جماهير برشلونة لاستقبال عهد جديد تحت قيادة هانز فليك، يلوح في الأفق مشهد يبدو مألوفًا، وكأن عجلة الزمن قد عادت للخلف. الأسلوب يعود، والأكاديمية تُنجب من جديد، ولامين يامال يخطو بثقة على درب الكبار. لم يكن من المصادفة أن يشعر المشجع الكتالوني أن التيكي تاكا تستعيد روحها؛ فالمشهد، رغم اختلاف الشخصيات، يبدو وكأنه إعادة إنتاج لفيلم ناجح بنجوم جدد لكن بنفس السيناريو العبقري.
في هذا التقرير، نرصد أبرز النقاط التي يتشابه فيها بيب جوارديولا مع هانز فليك، من حيث الفلسفة، الأدوات، والاعتماد على عناصر لاماسيا، وكيف يتجدد الأمل في كامب نو، من خلال رائحة الماضي التي تهب من مستقبل واعد.
1. ميسي ولامين يامال.. المحور الإبداعي للعب
في الماضي، كان ليونيل ميسي هو القلب النابض لفلسفة جوارديولا، الماكينة التي تدير إيقاع التيكي تاكا، والمفتاح الذي لا يملكه أحد غيره لفتح أقوى الدفاعات. لم يكن مجرد لاعب، بل كان رؤية تكتيكية تمشي على قدميها.
واليوم، يظهر لامين يامال كأمل جديد يحمل شعلة الإبداع. اللاعب الشاب يقدم موسمًا استثنائيًا تحت قيادة هانز فليك، حيث ساهم في نحو 39 هدفًا، ويقدم حلولًا هجومية تتشابه في فاعليتها مع ما كان يقدمه ميسي. ورغم الفروق الفردية الكبيرة بين الأسطوري والمراهق، إلا أن الدور المحوري في بناء الهجمة وتمركزه الذكي يجعلان من يامال حجر الزاوية في مشروع فليك.
2. لاماسيا.. منبع العبقرية المستدامة
لا يمكن الحديث عن جوارديولا دون التوقف عند الجيل الذهبي الذي صنع معه المجد. فالنجوم لم يأتوا من كوكب آخر، بل خرجوا من رحم أكاديمية لاماسيا: تشافي، بوسكيتس، فالديس، وحتى ميسي نفسه.
واليوم، يعود هذا النبع ليروي عطش الفريق من جديد. جيل فليك الحالي يزخر بأسماء بارزة من الأكاديمية: جافي، بالدي، كوبارسي، وأبرزهم يامال. والأهم أن فليك – كما فعل بيب – يُحسن توظيف هؤلاء الشباب، ويمنحهم الثقة الكاملة للمشاركة وصناعة الفارق.
3. التيكي تاكا تتنفس من جديد
رغم أن فليك ليس نسخة طبق الأصل من جوارديولا – إذ يميل الأخير أحيانًا للسيطرة المفرطة بينما يفضل فليك تنويع الإيقاع – إلا أن الخطوط العامة لأسلوب اللعب متشابهة. فكلاهما يعتمد على الاستحواذ كوسيلة للدفاع والهجوم معًا، وبناء اللعب من الخلف، والتمرير القصير كفلسفة لا كخيار.
وهذا ما يجعل برشلونة اليوم يعود شيئًا فشيئًا إلى صورته التي التصقت به لسنوات: فريق لا يكتفي بالفوز، بل يُبهر ويُمتع. ومَن يدري؟ ربما نكون على أعتاب نسخة جديدة من “بارسا بيب”، بصوت ألماني هذه المرة، وبموسيقى تعزفها أقدام يامال وجيله.