مرموش.. الفتى المصري الذي تحدى الجميع وغزا إنجلترا
في عالم كرة القدم، هناك لاعبون يمرون مرور الكرام، وهناك من يتركون بصمة خالدة ترويها الأجيال. عمر مرموش لم يكن مجرد موهبة عابرة، بل نموذجًا حيًا للمثابرة والتطور المستمر. رحلة بدأت من أحياء المعادي، حيث كان طفلًا يحلم بالمجد، وانتهت به في قلب مانشستر سيتي، أحد أعظم أندية العالم. قصة نجاح تُجسد معنى الإصرار والتحدي، وتجعل منه مصدر إلهام لكل شاب يسعى لتحقيق حلمه، مهما كانت الصعوبات.
وُلد عمر مرموش في 7 فبراير 1999 بالقاهرة، وسط أسرة متوسطة الحال، لكنه كان يملك حلمًا كبيرًا يفوق حدود الواقع. منذ طفولته، امتلك شغفًا غير عادي بكرة القدم، وكان يقضي ساعات طويلة في ملاعب المعادي، يتدرب على تسديداته ومراوغاته، وكأنه كان يدرك منذ الصغر أن موهبته ستقوده يومًا ما إلى القمة. التحق بأكاديمية وادي دجلة، وبدأ يثبت نفسه سريعًا، حتى أصبح أحد أبرز المواهب الصاعدة في فرق الناشئين.
لم يكن مجرد لاعب واعد، بل ماكينة أهداف حقيقية. في بطولة منطقة القاهرة، أحرز 44 هدفًا، بينها ثلاثيات في مرمى فرق كبيرة مثل الأهلي وهليوبوليس، وهو ما جعله حديث الجميع. موهبته الفذة قادته للانضمام إلى الفريق الأول تحت قيادة الفرنسي باتريس كارتيرون، كما أصبح عنصرًا أساسيًا في منتخب مصر للشباب. حينها، حاول الأهلي التعاقد معه، لكن مرموش كان لديه هدف واضح: الاحتراف الأوروبي. لم يكن يريد أن يكون مجرد نجم محلي، بل أراد تحدي الكبار في أقوى دوريات العالم.
جاءت الفرصة التي كان ينتظرها عندما لفت انتباه كشافي نادي فولفسبورج الألماني. لم يتردد لحظة، وحزم حقائبه متجهًا إلى ألمانيا، حيث بدأت أصعب فصول رحلته. التأقلم مع الثقافة الجديدة، تعلم اللغة، وضغط المنافسة مع لاعبين أقوياء، كلها كانت تحديات لم يكن سهلًا تجاوزها. تعرض لإصابات متكررة، وابتعد عن المباريات، لكنه لم يستسلم. مع نهاية 2019، عاد أقوى من أي وقت مضى، وسجل “هاتريك” ليثبت أنه جاهز للمرحلة التالية.
بحثًا عن فرصة للعب بشكل أساسي، قرر خوض تجربة جديدة مع سانت باولي في الدرجة الثانية، ولم يحتج وقتًا طويلًا ليبرهن على إمكانياته، حيث سجل سبعة أهداف في موسمه الأول. تألقه لم يمر مرور الكرام، فنال الاستدعاء الأول لمنتخب مصر تحت قيادة كارلوس كيروش، وسجل هدفًا رائعًا في شباك ليبيا في أول ظهور دولي له، ليبدأ اسمه في الانتشار عالميًا.
عاد بعدها إلى فولفسبورج، لكنه لم يجد المساحة الكافية، فخرج في إعارة جديدة إلى شتوتجارت، لكنه لم يكن بنفس التألق، إذ اكتفى بثلاثة أهداف وخمس تمريرات حاسمة خلال 21 مباراة. رغم ذلك، لم يفقد إيمانه بنفسه، وكان يعلم أن الفرصة الذهبية ستأتي عاجلًا أم آجلًا.
وجاءت هذه الفرصة مع آينتراخت فرانكفورت، حيث انفجر موهبته بشكل غير مسبوق. في موسمه الأول، سجل 17 هدفًا، وفي الموسم التالي، دخل التاريخ بعدما سجل ثلاثة أهداف من ركلات حرة في ثلاث مباريات متتالية، ليصبح أول لاعب يحقق هذا الإنجاز منذ الأسطورة ليونيل ميسي. فجأة، أصبح مرموش اسمًا مطلوبًا في أكبر أندية أوروبا، وبدأت العروض تنهال عليه من كل اتجاه.
وفي يناير 2025، تحقق الحلم الأكبر. مانشستر سيتي، بطل الدوري الإنجليزي، أعلن تعاقده مع النجم المصري في صفقة ضخمة بلغت قيمتها 75 مليون يورو، ليصبح أحدث إضافة لكتيبة المدرب العبقري بيب جوارديولا. كان هذا الانتقال بمثابة تتويج لمسيرة مرموش المليئة بالكفاح، ودليلًا على أنه قادر على اللعب في أقوى دوري في العالم.
واليوم، يحتفل عمر مرموش بعيد ميلاده الـ26، وهو في أوج تألقه. بعدما بدأ كطفل صغير في شوارع المعادي، أصبح الآن نجمًا في البريميرليج، يواجه أفضل المدافعين، ويسجل الأهداف في أكبر الملاعب. قصته ليست مجرد رحلة لاعب كرة قدم، بل ملحمة حقيقية تُثبت أن الأحلام لا تعرف المستحيل، طالما هناك إصرار، واجتهاد، وإيمان بالنفس.



