من فكرة في رأس طالب إلى إمبراطورية تهز العالم «الأهلي».. 118 سنة من العزف على أوتار البطولات

في وطنٍ جُبل على حب الكفاح، وُلد نادٍ لم يكن مجرد فكرة رياضية، بل كان شعلة من الوطنية، وحلمًا مصريًا خالصًا أراد أن يعبّر عن روح أمة تكافح ضد الاستعمار وتبحث عن متنفسٍ لطاقاتها الشابة، إنه النادي الأهلي، الذي لم يُؤسس فقط من أجل الرياضة، بل ليكون معقلًا للنضال، ومنبرًا للطلاب والمثقفين، ومساحة للتعبير عن الوطنية في أسمى صورها.

اليوم، ونحن نحتفل بمرور 118 عامًا على تأسيس هذا الكيان العملاق، لا نحتفي بمجرد تاريخ، بل نستعرض حكاية وطن تجسدت في نادٍ، صنع التاريخ، ودوّن المجد، وكتب فصولًا من البطولات التي لا تُنسى. دعونا نغوص في رحلة الزمن، حيث بدأت القصة بفكرة، وانتهت بأعظم نادٍ في القارة، بل في التاريخ.

أصل الحكاية.. بداية حلم مصري خالص

في عام 1907، وفي قلب القاهرة، تولدت فكرة إنشاء نادٍ للمصريين فقط، من عقلية فذة هي عمر لطفي بك، رئيس نادي طلبة المدارس العليا، الذي حلم بمكان يجمع الطلاب المهتمين بالسياسة والرياضة، بعيدًا عن هيمنة الأجانب التي كانت مسيطرة على النوادي حينها.

اجتمع عمر لطفي بك في 8 أبريل من العام نفسه مع رموز وطنية بارزة مثل مصطفى كامل، إسماعيل سري باشا، وعزيز عزت باشا، وغيرهم، ليُؤسس أول نادٍ يملكه المصريون، ويخدم أبناء الوطن.

لماذا “الأهلي”؟ الاسم الذي صار راية

اختير اسم “الأهلي” ليحمل في طياته معاني الوطنية والانتماء، وترجمةً لكلمة “National”، ليعكس هوية النادي كبيتٍ للمصريين، وكحصنٍ في وجه المستعمر. الاسم اقترحه المؤرخ الوطني أمين سامي باشا في فبراير 1908، وكان بمثابة إعلان أن الأهلي ليس مجرد نادٍ، بل رمز مقاومة.

جلسة التأسيس الأولى.. الميلاد الرسمي للكيان

في يوم الأربعاء 24 أبريل 1907، عُقد أول اجتماع رسمي بمجلس إدارة النادي الأهلي في منزل الإنجليزي ميتشل إنس، الذي عُين أول رئيس للنادي لتسهيل أموره أمام السلطات البريطانية ضم الاجتماع رموزًا بارزة منهم إدريس راغب بك، إسماعيل سري باشا، عمر لطفي بك، ومحمد أفندي شريف، أول سكرتير عام في تاريخ النادي.

نواة البناء.. عندما صار الحلم حقيقة

تأسس الأهلي على هيئة شركة مساهمة، طُرحت أسهمها بقيمة نصف جنيه فقط، وتم جمع المبلغ في بنك مصر لشراء قطعة الأرض التي أصبحت لاحقًا بيت الشغف المصري وفي 19 يونيو 1907، استلم المؤسسون قطعة الأرض بمنطقة الجزيرة بمساحة 4 أفدنة و8 قراريط و17 سهمًا، بإيجار رمزي قدره قرش واحد سنويًا لمدة 10 سنوات!

الأهلي.. وطن داخل وطن

منذ اللحظة الأولى، لم يكن الأهلي ناديًا للأرستقراطية، بل بيتًا للشعب، فتح أبوابه للطلاب، واستقبل المثقفين، ورفع راية الوطنية. بل وتخطى دوره الرياضي ليصبح مساحة للحوار السياسي والاجتماعي في ظل الاحتلال، متحولًا إلى مؤسسة وطنية متكاملة.

أول رئيس مصري.. بداية الاستقلال الحقيقي

في 2 أبريل 1908، تنحى ميتشل إنس، وتولى عزيز عزت باشا رئاسة الأهلي، ليبدأ عهدٌ مصري خالص في إدارة الكيان وتحت قيادته، تأسس المبنى الرئيسي، وأقيم حفل افتتاح رسمي ضخم في 26 فبراير 1909 حضره إنس نفسه.

“الحوش” وبداية عشق الكرة

عام 1909، بُني أول ملعب لكرة القدم داخل النادي الأهلي، وكان يُعرف وقتها بـ”الحوش”. لم تكن الكرة من أولويات المؤسسين، لكن أبناء النادي سقطوا في حب اللعبة، ليتحول “الحوش” إلى مهدٍ للبطولات، ويصبح لاحقًا ملعب “التتش” التاريخي.

1911.. ولادة الفريق الأول

تكوّن أول فريق كرة قدم رسمي عام 1911 من طلبة المدارس، وكان نجمهم الأسطوري حسين حجازي، الذي أصبح لاحقًا رمزًا للكرة المصرية. معه، بدأت مسيرة النادي في الملاعب، وبدأت تتشكل شخصية الفريق البطل.

المعارك الأولى.. قمة تاريخية ضد الزمالك

في 9 فبراير 1917، أقيمت أول مباراة قمة بين الأهلي والمختلط (الزمالك حاليًا)، على ملعب الزمالك، وانتهت بفوز الأهلي بهدف عبد الحميد محرم، ليسجل أول هدف في تاريخ القمة، ويُدشن فصلًا جديدًا من التنافس الذي سيشعل مصر لعقود طويلة.

أم كلثوم.. صوت الأهلي

في عام 1916، انضمت كوكب الشرق أم كلثوم للنادي الأهلي كأول سيدة تحصل على العضوية، وأصبحت أيقونة من أيقونات النادي، تحيي حفلاته السنوية لعقود، في مشهد يمزج بين الفن والرياضة والوطنية.

تأسيس منتخب مصر.. الأهلي في القلب

عام 1920، ساهم الأهلي بنسبة كبيرة في تشكيل أول منتخب مصري شارك في أولمبياد أنتويرب، وضم المنتخب عددًا كبيرًا من لاعبيه أبرزهم حسين حجازي، سيد أباظة، وزكي عثمان. وسجل لاعبو الأهلي 4 من أصل 5 أهداف أحرزها المنتخب في البطولة.

شعار النسر.. هوية بصرية تليق بالمجد

في 3 نوفمبر 1917، صُمم أول شعار للنادي الأهلي على يد محمد شريف صبري بك، وكان يحمل تاج الملك المصري، واسم النادي، ونسرًا محلقًا في المنتصف، ليكون انعكاسًا لهوية النادي المتصاعدة كقوة رياضية ووطنية.

بطولات لا تنتهي.. الأهلي والمجد القاري والمحلي

حتى اليوم، تُوج الأهلي بـ154 بطولة متنوعة، أبرزها:

44 دوري عام

39 كأس مصر

12 دوري أبطال أفريقيا

8 سوبر أفريقي

4 كأس كؤوس أفريقية

الكونفدرالية مرة واحدة

بطولات عربية وأفروآسيوية متنوعة

بـ27 لقبًا قاريًا، الأهلي هو نادي القرن الإفريقي، والأكثر تتويجًا في القارة بلا منافس.

الأهلي.. ما بعد التاريخ

الأهلي ليس فقط تاريخًا يُروى، بل حاضرًا يُصنع، ومستقبلًا يُنتظر. لم يكن مجرد نادٍ تأسس في بدايات القرن العشرين، بل كان مشروع وطن، ومؤسسة حقيقية لإعداد الأبطال، وصناعة الرموز.

الأهلي ليس ناديًا في قلوب جماهيره.. بل وطنٌ متكامل له علمه، نشيده، وأسطورته التي لا تنتهي.