احتفال اليوجا وصاروخ تشيلسي.. كيف رد صلاح على عنصرية المدرجات بأسلوب لا يُنسى؟

في مثل هذا اليوم، الرابع عشر من أبريل عام 2019، دوّى هدف لا يُنسى في سماء كرة القدم العالمية، وكان بطله النجم المصري محمد صلاح، الذي قرر أن يرد على الهتافات العنصرية ضده بأسلوب غير تقليدي، وبصاروخ كروي مزّق شباك فريقه السابق تشيلسي، وأشعل مدرجات الأنفيلد فرحًا، وأجبر العالم على الوقوف احترامًا ليس فقط للهدف، بل للطريقة التي احتفل بها: “يوجا” من نوع خاص.
كان ليفربول يصارع على لقب الدوري الإنجليزي الممتاز، وكانت مواجهة تشيلسي حاسمة في طريق المنافسة، وسط أجواء مشحونة داخل وخارج المستطيل الأخضر، خاصة بعدما تعرض صلاح لهجوم عنصري من قِبل بعض مشجعي البلوز قبل المباراة بأيام قليلة. الجميع انتظر كيف سيكون رد النجم المصري، وهل سيتأثر ذهنيًا بتلك الإساءة؟ لكن صلاح كان يُجهز لرد لا يخطر على بال أحد.
بدأت المباراة بحذر من الطرفين، وظلت النتيجة سلبية حتى الدقيقة 51، حين افتتح السنغالي ساديو ماني التسجيل لصالح الريدز. وبعدها بدقيقتين فقط، قرر محمد صلاح أن يُسكت كل الأصوات، ليس بالكلام، بل بأقدامه. من الجناح الأيمن، وعلى بُعد أكثر من 30 ياردة (حوالي 30.5 ياردة تحديدًا)، أطلق “الفرعون” تسديدة صاروخية بسرعة بلغت 76 ميلاً في الساعة، عجز الحارس الإسباني كيبا أريزابالاجا – الأغلى في العالم حينها – عن رؤيتها قبل أن تعانق الشباك.
لكن الهدف لم يكن مجرد كرة في المرمى. ما جعل اللحظة خالدة هو طريقة الاحتفال التي تبعته. ركض صلاح نحو الجماهير، وجلس على الأرض بوضعية اليوجا، مغلقًا عينيه ورافعًا ذراعيه في هدوء كامل. لقطة لم تُرَ من قبل في ملاعب كرة القدم، وكأنها دعوة صامتة للتأمل في رسائل أعمق من مجرد تسجيل هدف.
هذا الاحتفال الاستثنائي أثار فضول الجماهير ووسائل الإعلام حول العالم، ليتضح لاحقًا أن صلاح من عشّاق رياضة اليوجا، ويحرص على ممارستها بانتظام. بل وذكر في أكثر من مناسبة أنه يبدأ صباح يوم المباراة بجلسة تأمل يوغا تستمر نحو نصف ساعة، تساعده على تخيّل سيناريوهات اللقاء، وتمنحه صفاءً ذهنيًا هائلًا ينعكس على أدائه داخل الملعب.
ورغم عدم فوزه بجائزة بوشكاش في 2019، إلا أن هدفه في تشيلسي حصد ثلاث جوائز مهمة: “هدف الشهر” في الدوري الإنجليزي الممتاز، و”هدف الشهر” في ليفربول، و”هدف العام” مع الريدز. وكان ذلك تقديرًا لجمال الهدف وصعوبته، وللطريقة التي نُفّذ بها.
اللافت أن صلاح لا يُكرر احتفال “اليوجا” كثيرًا. هو احتفال نادر، خاص، يظهر فقط في اللحظات التي يرى فيها أن هناك رسالة يجب أن تصل. ظهر مرة أخرى في كأس أمم إفريقيا 2019 بعد تسجيله في شباك الكونغو الديمقراطية، ثم اختفى لسنوات، قبل أن يعود عام 2022 أمام مانشستر يونايتد، في ليلة اكتسح فيها ليفربول خصمه برباعية نظيفة، سجل منها محمد صلاح هدفين، بعد فترة عصيبة عاشها مع منتخب مصر.
الهدف الصاروخي في تشيلسي لم يكن مجرد لحظة رياضية؛ كان بيانًا من محمد صلاح للعالم بأن كرة القدم يمكن أن تكون سلاحًا لمواجهة العنصرية، وأن السكون الظاهري قد يُخفي قوة لا تُقاوَم. وبينما أذهل الجميع بتسديدته، فإنه لقّن العالم درسًا في الرقي والقوة النفسيةباحتفال لن يُنسى.